بحثاً عن الحقيقة.. عائلة المخرج الإيراني مهرجويي تعفو عن مدان بقتله
بحثاً عن الحقيقة.. عائلة المخرج الإيراني مهرجويي تعفو عن مدان بقتله
في مشهد يختلط فيه الألم بالبحث عن العدالة، أعلنت أسرة المخرج الإيراني الراحل داريوش مهرجويي، أحد أبرز رواد السينما الإيرانية الحديثة، عفوها عن أحد المدانين الرئيسيين في جريمة قتله وزوجته، وحيدة محمدي فر، رغم المصادقة القضائية على حكم الإعدام بحقه.
لكن هذا العفو، كما تقول العائلة، ليس تنازلًا عن الحق في العدالة، بل محاولة لإبقاء باب الحقيقة مفتوحًا، في قضية لا تزال تحيط بها علامات استفهام كثيرة، بحسب ما ذكرت شبكة “إيران إنترناشيونال”، اليوم السبت.
في ليلة 14 أكتوبر 2023، هزت إيران أنباء مقتل مهرجويي وزوجته طعنًا داخل منزلهما بمحافظة البرز، ووفق الرواية الرسمية، أُلقي القبض على أربعة متهمين، بينهم فتيان في سن 14 و15 عامًا.
واعتبر كريم، أحدهم، "الفاعل الأصلي" للجريمة، ليُحكم عليه بالإعدام مرتين، بينما صدرت بحق الآخرين أحكام بالسجن تصل إلى 34 عامًا.
لكن منذ البداية، لم تقتنع الأسرة بأن القصة مكتملة، فملابس مهرجويي في تلك الليلة لم تكن منزلية، وزوجته نشرت قبل الحادثة منشورًا تحدثت فيه عن تهديد بسكين من رجل بلهجة "غير إيرانية"، والأسئلة التي طرحتها العائلة حول طريقة دخول المنزل، وأداة الجريمة، ودور كل متهم، لم تلقَ إجابة شافية في المحكمة.
العفو.. قرار واعٍ لا عاطفي
يقول نوبان فشندي، محامي والدة وحيدة محمدي فر، إن قرار العفو جاء بعد "مراجعة دقيقة للملف"، وإدراك أن تنفيذ القصاص بالمباشر قد يُغلق الباب نهائيًا أمام معرفة "المحرّض الحقيقي" إن وجد.
"إذا كان الدافع السرقة، فلماذا كل هذه الوحشية؟".. يسأل فشندي، مؤكدًا أن تناقضات الاعترافات وغموض بعض التفاصيل ترجح فرضية وجود طرف آخر خلف الكواليس.
موقف العائلة ليس معزولًا؛ فمونا مهرجويي، ابنة المخرج، كتبت في مايو الماضي على إنستغرام: "رغم صدور حكم الإعدام، نحن كعائلة لا نطالب بتنفيذه"، مرفقة وسم #لا_للإعدام.
ظلال الاغتيالات السياسية
كثير من المراقبين شبّهوا الجريمة بما عُرف في إيران بـ"سلسلة الاغتيالات السياسية" في تسعينيات القرن الماضي، التي طالت شخصيات ثقافية وسياسية بارزة مثل داريوش فروهر وزوجته، والكاتبين محمد مختاري ومحمد جعفر بوينده.
ويرى هؤلاء أن مقتل مهرجويي وزوجته قد يكون امتدادًا لأسلوب "القتل الممنهج" بهدف ترهيب الوسط الثقافي، خاصة أن المخرج كان شخصية مستقلة وناقدة.
وُلد داريوش مهرجويي عام 1939، وكان أحد أعمدة "الموجة الجديدة" في السينما الإيرانية. ترك بصمة خالدة بأفلام مثل البقرة وهامون وليلى وبري، ونال عام 2014 وسام "فارس الفنون والآداب" من الحكومة الفرنسية.
رحيله المفاجئ، بالطريقة التي حدثت، صدم الوسط الفني وأعاد طرح أسئلة قديمة حول حرية التعبير وأمان المثقفين في إيران.
العدالة المؤجلة
العفو الذي أعلنته الأسرة لا يلغي الأحكام الأخرى بحق المدانين، لكنه يعكس رغبة عميقة في الوصول إلى القصة الكاملة، بدل الاكتفاء بمعاقبة المنفذين المفترضين.
كما أنه يفتح نقاشًا حساسًا في إيران حول معنى العدالة.. هل هي تنفيذ العقوبة القصوى، أم كشف الحقيقة بكل أبعادها، حتى لو استغرق ذلك سنوات؟